أبو الحسن الجمال يكتب: الموسيقار محمد سلطان.. غاب عنا واحتجب 

الموسيقار محمد سلطان وزوجته الفنانة فايزة أحمد
الموسيقار محمد سلطان وزوجته الفنانة فايزة أحمد

كون سلطان وفايزة ثنائياً فنياً عظيماً من أشهر الثنائيات الناجحة التى أفادت وأضافت للموسيقى العربية، وقد طرقا كل أشكال الأغنية وقوالب الغناء.

الملحن والممثل  المصري محمد سلطان قيمة فنية كبرى، ينتمى لمدرسة الأصالة، ظهر فى عصر القمم واستطاع أن يشق لنفسه طريقاً وأن يجد لنفسه مكاناً بين هؤلاء الأعلام، وأن يكون له لون مميز يعتمد بصورة أساسية على الموسيقى العربية الأصيلة وأن يكون التجديد لديه فى هذا الإطار. 
والتقيت مرارا بالموسيقار محمد سلطان فى منزله العامر القابع على النيل فى جاردن سيتي، وفتح لى خزينة أسراره على مصراعيها، وكان نتاج هذا كتابى «سلطان والكروان، أسرار وحكايات» الذى صدر عن قطاع الثقافة بأخبار اليوم سنة 2019.

بداية المشوار
فى مدينة الإسكندرية، عروس البحر المتوسط كان مولده فى 20 يوليو 1935، لأسرة من الطبقة المتوسطة تعود جذورها إلى قرية أورين» بمركز شبراخيت بمحافظة البحيرة. كان أبوه يعمل ضابطاً فى جهاز الشرطة وصل إلى رتبة اللواء.

وكان آخر منصب تولاه مديراً لأمن الجيزة، وقد أغرم محمد سلطان بالموسيقى منذ نعومة أظافره على يد والدته التى تخرجت فى مدارس «الميردى ديه»، وكانت تتقن الفرنسية وقد علمتها لأولادها: فؤاد، ومحمد، وسميحة، وتعلم منها سلطان العزف على البيانو، ثم اقتنى عوداً فى سن مبكرة، وأتقن العزف عليه وتعلم فن المقامات.


كانت الإسكندرية التى ولد فيها محمد سلطان وعاش فيها إلى سن الشباب - مهد الفنون من سينما ومسرح وتمثيل، وكان أن التقى الموسيقار محمد عبد الوهاب الذى كان يصطاف كل عام فى فيلا يمتلكها بجوار منزلهم، فصمم أن يقتحم دوحته، وقابله وأعجب به، وزارهم عبد الوهاب فى المنزل، وقال لوالده أن محمد سلطان موهوب.

ويجب أن يتعلم الموسيقى ويعمل بالتلحين، إلا أن والده رفض وأصّر على إكمال محمد سلطان لتعليمه.. فتعلم فى كلية فيكتوريا، ولما رآه والده (يرطن) بالإنجليزية طوال الوقت نقله إلى مدرسة الرمل الابتدائية، ثم فى مدرسة الرمل الثانوية، والتحق بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، ليحصل على ليسانس الحقوق عام 1958.


وكانت إذاعة الإسكندرية الوليدة تحتضن المواهب، فجرب حظه فى هذه الإذاعة، بمساعدة أستاذه محمد عبد الوهاب، بعد أن أوصى به حافظ عبدالوهاب مدير إذاعة الإسكندرية، وقد لحن للعديد من المواهب من أشهرهم: عبداللطيف التلبانى زميله فى جامعة الإسكندرية. 


كان محمد سلطان يمارس العديد من الهوايات، أهمها رياضة الفروسية وذلك فى مدرسة كان يمتلكها أحد الأجانب الذى غادر الإسكندرية بعد قيام ثورة يوليو 1952، ثم اشتراها والده، وتعهد بإدارتها.

وذات يوم وبينما كان سلطان يمارس هذه الرياضة شاهده المخرج يوسف شاهين وهو يقفز بالخيل، فأعجب به، وعرض عليه العمل فى فيلم «الناصر صلاح الدين»، وقبل هذا العرض، وأثناء عمله فى هذا الفيلم عرض عليه المخرج بركات العمل معه فى فيلم «يوم بلا غد»، بطولة فريد الأطرش ومريم فخر الدين.

ونجح نجاحاً باهراً مما حدا بالناقد الفنى الكبير محمد بديع سربية أن يكتب مانشيت فى مجلة الموعد «محمد سلطان دون جوان السينما الجديد»، ثم قدم العديد من الأفلام بعد ذلك مثل: «عائلة زيزي»، و«من غير ميعاد»، و«جدعان حارتنا»، و«دنيا البنات»، و«كم أنت حزين أيها الحب»، و«الباحثة عن الحب».

وغيرها، وقد أخذه عمله فى التلحين والموسيقى من إكمال مشواره فى مجال السينما مثل غيره من أبناء جيله الذين بدأوا الطريق معه من أمثال: سمير صبري، وحسن يوسف، ويوسف شعبان، وغيرهم.... وقد حصره المخرجون فى دور الشاب الوسيم الذى يعجب به البنات لذا جاءت كل أفلامه الـ11 التى مثلها فى هذا الإطار باستثناء فيلمى الناصر صلاح الدين، و«كريم الدين». 


 أحلى طريق فى دنيتي
تعرف محمد سلطان على كروان الشرق فايزة أحمد، فى فترة عصيبة كانت تحياها، فقد عانت من زوجها الضابط السورى مختار العابد، والتى أنجبت منه ولدا وبنتا، وكان يسيء معاملتها كأنها أحد جنوده، وأصبحت العيشة معه لا تطاق فانتهت بالطلاق، كما كانت هناك تحديات أخرى واجهتها فايزة مع الملحنين، فقد كان هناك نوع من الارتباط الفنى بين عدد من الملحنين وعدد من المطربين والمطربات فى تلك الفترة.

والأمر الذى دفع فايزة إلى البحث عن دماء جديدة، وبدأت الرحلة مع سلطان التى استمرت سبعة عشر عاماً ارتبطا خلالها فنياً وعائلياً، كونا خلال السنوات الجميلة ثنائياً فنياً عظيماً من أشهر الثنائيات الناجحة التى أفادت وأضافت للموسيقى العربية.

وقد طرقا كل أشكال الأغنية وقوالب الغناء مروراً بالأعمال الشعبية مثل: «قاعد معاي»، و«بالى معاك»، و«أخد حبيبي»، و«طير الشوق»، و«مال عليا مال»، والأغنية القصيرة مثل: «دنيا جديدة»، و«على فين طريقنا»، و«تاريخ الهوى».

و«على وش القمر»، واشترك معها بالغناء فى الدويتو الرائع «إحنا النهار ده إيه»، وكانت الأغنية الطويلة هى التى رسخت مكانتهما عند الجمهور وبرعا فى هذا النوع مما حدا بكوكب الشرق أم كلثوم أن ترشح فايزة أحمد لخلافتها، ومن هذه الأغانى: «غريب يا زمان»، «نقطة الضعف»، «لقيتك فين»، «أحلى طريق فى دنيتى»، «خليكو شاهدين»، وغيرها.


 كما لحن لها سلطان العديد من القصائد التى تدل على تمكنه ومهارته منها: «أحبه كثيراً»، كلمات فتحى سعيد، و«رسالة من امرأة»، كلمات نزار قباني، وغيرها، ولحن الموشحات التى كتبها الشاعر الفنان مجدى نجيب وتخصص فى كتابتها منها: «العيون الكواحل»، و«يا هلالا غاب عنا واحتجب». 


واستمر الزواج بينهما 17عاماً، وكانت ثمرته التؤامان طارق وعمرو، وحدث الطلاق فى 22 مايو 1982، تزوجت بعدها بالضابط عادل عبدالرحمن، وعندما شاء القدر أن تمرض ساءت معاملته لها حتى أنها باعت سيارتها وأنفقت معظم أموالها بالمصارف لعلاج مرضها.

وكانت ترافقها فى هذه الرحلة ابنتها «فريال» التى تزوجت من الملحن والمطرب «أحمد السنباطي» نجل الموسيقار رياض السنباطى. طلقت فايزة منه بعد فترة قصيرة، ثم عادت وتزوجت من محمد سلطان بعد معاناتها مع سرطان الثدى قبل رحيلها بفترة وجيزة ليعود الحب بينهما كما كان، وكانت أغنية «ايوه تتعبنى هواك» هى آخر أغنية قدمتها لمحمد سلطان.


وجوه جديدة
بعد أن تعاون سلطان مع فايزة أحمد، لحن أيضاً للمطربين الموجودين على الساحة وقتها من أمثال: محرم فؤاد، ووردة الجزائرية، وسعاد محمد التى أبدع لها اللحن الجميل «أوعدك» من كلمات مجدى نجيب.


 كما قدم أيضاً الوجوه الجديدة الصاعدة فى عالم الغناء، وقدم لهم أولى أغنياتهم القوية التى رسخت أقدامهم على خطى الفن، فقدم هانى شاكر ومحمد ثروت، ونادية مصطفى، وسميرة سعيد، ومدحت صالح، وتعاون فترة مع الشاعر الجنوبى الجميل عبدالرحيم منصور.

وقدما معاً الروائع التى استقاها من الفولكلور الصعيدى -نبع الخير الأصيل الذى يحوى كنوزاً لا تقل عن الآثار الموجودة على أرضه- ومنها أغنيات: «طير الشوق»، و«فين حبيبي»، كما لحن لمجدى نجيب أغنيات تنوعت بين الوصف، والموشحات، والأغنية العاطفية مثل: «أخد حبيبي»، و«العيون الكواحل»، و«يا هلالا غاب عنا واحتجب»،  و«قول لكل الناس»، و«ليلة وكل ليلة»، و«تعالى شوف».


وقام الموسيقار محمد سلطان بوضع الموسيقى والألحان للعديد من الأعمال الإذاعية والتليفزيونية والسينمائية مثل المسلسل الإذاعى «خضرة الشريفة»، وغنت أغنياته فايزة أحمد، ووضع الموسيقى التصويرية لأكثر من خمسين فيلماً سينمائياً منها: الراقصة والسياسي، وسماره الأمير، والنمر الأنثى، وامرأة فوق القمة، وأصدقاء للنهاية، والشرس، وزوجة محترمة وغيرها.  


وفى 21 سبتمبر 1983 توفيت زوجته ورفيقة دربه الفنانة المطربة فايزة أحمد شريكة عمره الفنى وحبه الأول والأخير، وحزن عليها حزناً شديداً ودخل بعدها فى حالة من الصمت.

وكلما حاول الخروج من سجنه الاختيارى ليقدم ألحاناً جديدة شدته الذكريات فيضطر لغلق صندوق النغم بداخله، واشتدت هذه الحالة لديه، بعدما تصدر أشباه المطربين الذين يمتطون الموسيقى والغناء كسبوبة تدر عليهم الربح الوفير دون النظر للعطاء وإضافة الأصيل لموسيقانا،وعند لقائى أجده يتأسف ويتحسر على هذا الانهيار الذى ران على الموسيقى والغناء. 


ورحل سلطان النغم يوم الأحد فى تمام الخامسة مساء يوم 13 نوفمبر 2022، وكان يمارس طقوسه كعادته كل يوم، إلا أنه بعد تناوله لطعام الغداء شعر ببعض التعب فى صدره كما أخبرتنى سكرتيرته سميرة، وسرعان ما أسلم الروح.. رحمه الله رحمة واسعة.

اقرأ ايضا | الموسيقار محمد سلطان: تعرفت على محمد عبد الوهاب وعمري 7 سنوات | فيديو